لطالما راودني الفضول لمعرفة الامتداد الأقصى الذي وصله المسلمون (عسكرياً) في كامل التاريخ الإسلامي، منذ البعثة وحتى أيامنها هذه، وأعني بذلك أبعد أرضٍ وطئتها الجيوش الإسلامية على الإطلاق في أيّ مكانٍ من العالم وفي أيّ فترةٍ من التاريخ. البارحة قرَّرت أخيراً البدء بالعمل على خريطةٍ لهذا، فاستعملت عدداً من الكتب والخرائط لمعرفة أبعد النقاط التي وصلتها الفتوحات في تاريخ الإسلام، وقمت برفعها على موسوعة ويكيبيديا لعلَّها تفيد الباحثين. تحقَّقت من أبعد مدى وصلته الجيوش الأموية في غرب فرنسا، والأغالبة في إيطاليا، والعثمانيون في شرق أوروبا، والخوارزميون في وسط آسيا، وسلاطين دلهي في الهند، وسلاطين عمان في شرقي أفريقيا.
والحقيقة أن النتيجة كانت مذهلةً بالنسبة لي، خصوصاً بالنسبة للتوغُّل الهائل الذي قام به سلاطين عمان في أراضي أفريقيا الذي يجهله معظمنا، فذلك كان حديثاً جداً، حيث إنَّ آخر دولهم سقطت منذ ما يربو من قرنٍ ونصفٍ فحسب، وقد نجحوا حتى ذلك الوقت بالوقوف في وجه البرتغاليين والإسبان والإنكليز، وتمكَّنوا من نشر الثقافة العربيَّة والدين الإسلامي في شرق أفريقيا بدرجةٍ كبيرةٍ جداً، حتى إنَّ اللغة الحديثة المستعملة في أغلب هذه المناطق (السواحيلية) هي عبارةٌ عن تهجينٍ للعربية مع اللغات الأصلية هناك، وكانت تكتب الأصل بالأبجدية العربية قبل الاستعمار.
حجم الفتوحات في الهند أيضاً كان أكبر ممَّا توقّعت بكثير، فقد تبيَّن لي أن المسلمين في حقبة سلاطين دلهي (بعد الغزو المغولي بسنوات) تمكَّنوا من المضيّ بالفتوحات عميقاً جداً في أرض الهند إلى حدٍّ لم تصل إليه أي دولةٍ إسلامية أخرى، حتى كانوا لفترةٍ قصيرةٍ من الزمن يسيطرون على كامل الهند تقريباً. وكذلك العثمانون والأمويون في أوروبا، مع أنَّنا نعرف تاريخهم بشكلٍ أفضل، فإن مدى الفتوحات التي حقَّقوها في قلب أوروبا يظل مثيراً للدهشة، إذ إنَّ الجيوش الأموية وصلت في فترةٍ من الفترات مسافة كيلومتراتٍ قليلةٍ من باريس، والجيوش العثمانية ضربت الحصار أكثر من مرَّة على فيينا. ويمكنكم أن تطَّلعوا بأنفسكم على الباقي من الخريطة.
Comments 1
جزيت خيراً على هذه الخريطة البديعة