للأسف، منعني تحديثُ مدوَّنتي – خلال الأيام الماضية – من كتابة مقالة عن هذا الحدث المُهمّ، الذي جاء في يوم الجُمعة الفائت المُوافق لـ24 من فبراير. فقبل بضعة أيام، احتفلتُ أخيراً بنشري أول كتاب لي في حياتي، وهو أمرٌ مُميَّز فعلاً بالنسبة لي.
لطالما رغبتُ بأن يكون لي كتاب، وفي الحقيقة، حاولتُ، على مرّ سنين طفولتي، أن أؤلّف عدداً من الكتب، حتى أنّ منها ما طُبِعَ ووُزِّعَ لبعض أفراد العائلة (يُسعدني أنَّهم استطاعوا أن يُسيطروا على ردود أفعالهم بهيئة ابتساماتٍ لطيفة)، وقد بقيَ لدي هذا الشغفُ عندما كبرت، ولكن المُشكلة التي شعرتُ بها دوماً هي أني لم أكن قادراً على تقديم مُحتوى مُميَّز أو فريدٍ عن غيري في أيّ موضوع.
ففي نهاية المطاف، مُعظم الكتب في العالم هي محضُ تلخيصٍ وترتيبٍ وإعادة توزيع للمعلومات المُتوافرة بالفعل في مصادر أخرى، ولو لم تكُن لديك مؤهلات أكاديمية خاصَّة فإن قُدرتك على كتابة شيءٍ مُفيد تكون قليلةً في العادة. وأما ما يُسعدني حيال عملي هذا، فهو أنَّه يُقدّم شيئاً فريداً – بالنسبة لي -، بل ولا تتناولهُ سوى كتب معدودةٌ أخرى في العالم.
قصَّة كتابي
هذا الكتاب هو مشروعٌ عُمره سنوات. ففكرتُه الأولى جاءتني عندما ابتدئتُ بحضور بعض المؤتمرات والمُلتقيات الخاصَّة بموسوعة ويكيبيديا، ففي تلك الرحلات قابلتُ أناساً كثراً من بلدان عديدة جداً، وبدأت أشعر بأنِّي جزءٌ من شيء رائع يستحقّ أن أتحدَّث عنه. وقد كتبتُ مُقدّمة كتابي، في صورتها الأولى، في وقتٍ ما من بداية سنة 2013، وظللتُ أذهب وأعود لأضيف فصولاً أو أحذفها منه طوال الفترة التي تبعت ذلك. ولم أستطِع أخذ الأمر بجديَّة إلا في العام الفائت، عندما حاولتُ – للمرَّة الأولى في حياتي – وضعَ أهدافٍ لنفسي لأنجزَها خلال العام (ما يُصطَلح على تسميته New year’s resolution)، وكان أوَّل أهدافي لعام 2016 هو إنهاءُ الكتاب.. ولكنَّ الأمر استغرق بعض الوقت.
كنتُ في الغالب، طوال هذه السنوات الثلاث، أغيب لشهور عديدة عن الكتابة حتى أنسى أمرها تماماً، ولذلك تعايشتُ مع اعتبار عملي هذا مشروعاً مُستقبلياً قد لا ينتهي أبداً، أو قد يأخذ سنوات كثيرة جداً ليتم، ودعني أُفسّر لك السَّبب، فهو بسيطٌ جداً: وهو مُعضلة عدم الرّضى. فكُلَّما كنتُ أغيب لفترة وأعود لأقرأ فصلاً كتبتُه فيما مضى كنتُ أجده سيئاً جداً، فكنتُ أحذفُ نصفه، وأعيد كتابته وتحرير وتدقيقه، وأنتهي منهُ وأقرؤه فأجد أنه أصبحَ رائعاً. ثُمَّ أغيب عدة شهور، وعندما أعُود لأقرأ عملي أجدهُ في حالٍ أسوأ ممَّا كان، وأضطرُّ لإعادة كتابته من جديد.
ولأكون صريحاً معك، فإنِّي عندما قرأتُ كتابي للمرة الأخيرة، وكان ذلك قبل أسبوعَيْن تقريباً، تولَّدت لديَّ قناعةٌ ذاتيَّة تامَّة بأنه سيء جداً، ويجبُ تدميره وإعادة بنائه من الصّفر. وقد راسلتُ بالفعل المُخرج الفنيّ للكتاب (وهو صديقي أحمد أبو زيد، أحدُ شخصيَّات المُجتمع الحرّ العربي) وطلبتُ منه إعطائي الفُرصة لتحرير عملي وإعادة صياغته، ولكنَّه تحجَّج بأن الكتاب كان قد أصبح في المراحل الأخيرة من الإخراج، وقالَ لي أن الأوان قد فات على إجراء أيّ تعديلات، وبأن عليَّ تركَها للإصدار القادِم!
عن ماذا يتحدَّثُ الكتاب؟
الوظيفةُ الأساسيَّة لهذا الكتاب هي سردُ آليَّة عمل الأمور داخل ويكيبيديا. فجميعُ متصفّحي الإنترنت – تقريباً – يعرفُون ما هي ويكيبيديا، ويستعملُونها بصورة دوريّة أو شبه يوميَّة، ورُبّما يفهمُون أنَّها عبارةٌ عن جهد جماعي يُشارك فيه الكثير من الناس، لكن لا أحدَ – سوى معشر الويكيبيديِّين القليلين جداً – يفهمُ فعلاً كيف تُكتَب مقالات ويكيبيديا وتُصَان ويُعنَى بها لتصل إلى القارئ بشكلها النهائي.
فمن المُؤكَّد أن السَّماح لأيّ متصفح للإنترنت بتعديل موقع بحجم ويكيبيديا يفتحُ مجالاً لا نهائياً للعبث والتخريب والمعلومات غير الموثُوقة، ولكن ويكيبيديا، بطريقةٍ ما، تحمي مقالاتها بالكامل تقريباً من هذا الأثر، وهذا ليس سوى نتاجاً لنظامٍ بالغ التعقيد من القوانين والقواعد التي يحرصُ على تطبيقها مُجتمع الويكيبيديِّين بوسائل شتّى.
يشرحُ الكتاب هذه الآليَّات باستفاضةٍ كبيرة، كما يتناولُ بعض القضايا الجدليَّة التي يُناقشها الإنترنت (خُصوصاً العربيّ)، مثل حيادية ويكيبيديا، ويتناولُ أيضاً مسائل جانبية، منها سياسات المال والإنفاق لدى ويكيبيديا، والمشاريع المُنظَّمة في البلاد العربيَّة لإثراء مُحتوى هذه الموسوعة.
عن مشاعري كمؤلّف
حسناً، رُبّما لا أستطيع أن أسمّي نفسي “مؤلّفاً” بعد لأنَّ الكتاب لم يُطبَع ولم يُنشَر بالطريقة التقليدية، بل هو محضُ إصدار “ذاتيّ النشر” يقرؤه بعضُ متصفّحي الإنترنت، ثُمَّ يمضُون في طريقهم ويُتابعون ما يفعلون على الفيسبوك أو ما شابَه. ومع ذلك، فإنَّ لديَّ الكثير من المشاعر المُتناقضة والمُتزاحمة والمتكدّسة في عقلي طوالَ الأسبوع الماضي حيال عملي، بحيثُ أصبحت تُزعجني. باختصار: مشاعري الأساسية تتمثَّلُ في الترقّب الشديد، وقلَّة الرضى، وشيءٍ من الإحساس بالإنجاز.
رُبّما تجدُ هذا غريباً، ولكن لكلِّ واحدٍ من هذه الأحاسيس أسباباً أستطيعُ سردها. في البداية، الترقّب هو أول ما ستشعرُ به عند عرضِ إنجاز شخصيّ مُهمّ بالنسبة لك على الناس، فأنتَ تنتظرُ ردود الأفعال، وسواء أكانت إيجابية أم سلبية أم غير موجودةٍ أصلاً، فأنتَ سوف تستمرُّ بالتوتر والترقّب والتربّص إلى ما لا نهاية، حتى تشعرَ بأنَّ حياتك كُلّها معلَّقة على المحك – لسببٍ ما – على ما سيأتيك من رُدود، وستكونُ مثل هذا الفتى في الأعلى، تنتظرُ الناس ليبدؤوا باقتحام غُرفتك وينهالوا عليك.
الأمر الثاني، وهو قلَّة الرضى، فهو دوَّامةٌ أشعرُ بأنَّ الخُروج منها مُستحيل: صدّقني، أنا الآن واثقٌ بكلّ عزيمةٍ وإصرارٍ أنَّه ما من مؤلّف ولا رسّام ولا موسيقي أو فنَّان في العالم ينتهي من عمله وهو شاعرٌ بالرّضى في أعماق نفسه، إلا في حالاتٍ معدودةٍ رُبّما. لا تُصدّق كلمة “كتابي الرائع” في العُنوان، فهي محضُ خدعة. فعلياً: عندما تستثمُر جهدك في مشروعٍ شخصي لفترةٍ طويلة، مثل شهور أو سنوات، فأنتَ تتوقَّعُ لهذا العمل أن يخرجَ مثالياً، بصُورة الكمال، وأقلُّ من ذلك لا يُمكن أن يرضيك. ولكن الكمال مُستحيل، ولذلك فإنَّك ستشعرُ دائماً بالإحباط، وحتى لو حاولَ البعضُ إقناعك بغير ذلك، فإنَّ مشاعرَك – في أعماق ذاتك – ستظلّ كما هيَ، وستجدُ الأمر مُقرفاً للغاية.
وأخيراً، الشّعور بالإنجاز هو الأمرُ الإيجابي الذي لا بُدّ منه. كوني استثمرتُ أياماً طويلةً من حياتي في هذا الكتاب، ولأنِّي أراهُ الآن مُخرجاً ومُرتَّباً في صفحاتٍ جميلة وأنيقة، فلا بُدَّ أن أشعر بشيءٍ من الاعتزاز في داخلي. وهذا يُخفّف من إحباط عدم الكمال، ولو أنَّه غير كافٍ لتعويضه. أيضاً، الأيام الأخيرة قبلَ صدور العمل تكونُ مُثيرة للتوتّر والترقّب بدرجةٍ مُعتَبرة، ولذا، لا بُدَّ من القول أني أحسُّ وكأنَّ عبئاً كبيراً أزُيحَ عن كاهلي، أو أنَّ مهمة غادرت جدول أعمالي بعد أن مكثت فيه لوقتٍ طويل جداً، وهذا أمرٌ جيّد.. فهو يعني أني أتقدَّمُ بتحقيق أهدافي طويلة الأمد!
اقرأهُ الآن!
الكتابُ متاحٌ مجاناً على موقع كتب عربيّة حرّة، يُمكنك قراءتهُ مباشرةً من خلال الضَّغط هُنا، ولا تنسى تقييمهُ على غودريدز عند انتهائك!