تجربتي مع "أهداف العام الجديد" في سنة 2018

بدأتُ بكتابة “تقريري” الشخصيّ عن نهاية العام قبل ثلاث سنوات، بعد تجربتي الأولى مع فكرة الأهداف السنويَّة أو “قرار العام الجديد” (New Year Resolution)، وقد وجدتُ توثيق التجربة بتدوينات مُطوَّلة مفيداً جداً لي في الإلمام بمجمل التغيُّرات التي تقعُ في حياتي على مدار كُلّ عام، كما أنَّ هذه التدوينات قد لاقت مقداراً لطيفاً من الإقبال في مجتمع حسوب I/O (حيثُ كنتُ أنشرها في السنتين الماضيتين)، وبالتالي رغبتُ بمشاركتها على مُدوَّنتي أيضاً في هذه المرة.
أعتذرُ لأن المقال كبيرٌ وطويلٌ جداً، فهو ذو قيمةٍ كبيرةٍ لي ويُلخِّصُ تجربةً شغلتني طوال هذا العام.
تجاربي الماضية مع “قرار العام الجديد”
بدأتُ تجربتي الأولى مع “الأهداف السنوية” في بداية سنة 2016، وذلك في فترةٍ كنتُ أشعرُ فيها بالفشل الشخصيّ الشَّديد بسبب مجموعةٍ من المشكلات: منها تعثّر دراستي الجامعية لسنتين كاملتين، وسوء ظروفي الماديَّة، وتقلُّصِ النشاطات التي تشغلُ وقتي وأيَّامي إلى إدمان ألعاب الفيديو. ومثل كُلِّ وقتٍ آخر مررتُ به، كانت لديَّ أحلامٌ وطموحاتٌ كثيرة أتمنَّى إنجازها، ولكني كنتُ واقفاً في مكاني وأنتظرُها لتتحقَّق من تلقاء نفسها. وقبل موعد رأس السنة الجديدة بأيام، سمعتُ من ابن عمِّي عن فكرة “الأهداف السنويَّة” التي ينوي تجربتها في هذا العام. وشعرتُ بأنَّها قد تكونُ تغييراً مناسباً لي أيضاً.

كرَّرتُ هذه التجربة لثلاث مرَّات منذُ ذلك الحين: أولاً في سنة 2016، ثُمَّ في 2017، وأخيراً في هذه السنة، وذلك -كما هو واضحٌ- لأنَّ نتائجها كانت مرضيةً لي جداً. فمنذُ أن بدأتُ بتطبيق هذه الفكرة، أصبحتُ أنجزُ في كُلِّ سنةٍ أضعافَ ما كنتُ أنجزهُ قبل ذلك، والسَّبب في حالتي بسيط: فأنا، مثل معظم الناس، أحبّ تأجيل الأمور وتركها إلى حين أشعرُ بالرغبة بإنجازها. فأنا أرغبُ بتأليف الكثير من القصص -مثلاً- ولكني لن أجلسَ وأبدأ بكتابتها إلا حين يواتي ذلك مزاجي، وهو أمرٌ يحدثُ مرَّة كل شهرين، وعلى هذا المُعدَّل، لن أكملَ تأليف أول قصة لي قبل سنّي التقاعدي. وأما عندما أضعُ لنفسي موعداً “نهائياً” لإتمام عملي، وهو اليوم الأخيرُ من كُلِّ عام، أفقد حُريَّة التأخير هذه.
عدا عن ذلك، وجدتُ أن أفضلَ جانبٍ من تجربة “الأهداف السنوية” هي أنها تساعدُكَ على النظر إلى حياتك من بعيد وتقرير ما إذا كنتَ تقوم بالإنجازات المُهمّة التي تحتاجها لدفع حياتك للأمام، أم أنك تنساها وتنشغل بأمور أخرى. فمُعظمنا -على ما أعتقد- معتادُون على أن نغرق طوال السنة في الحياة اليومية التافهة: مثل الدراسة، والمذاكرة، والاستعداد للامتحانات، وضغوطات العمل، والمشكلات المالية، وإنهاء مئات أو آلاف المهام الصّغيرة عديمة المعنى التي تبرزُ في كل لحظة من حياتنا اليومية. لكن عندما يمتلئ رأسكَ بكل هذه الأمور يُصبح من السهل جداً عليك أن تتناسى، في خضمّ هذا “الزّحام” من الأمور التافهة، أن لديك أحلاماً تحرصُ عليها في الحياة وترغبُ بتحقيقها، أو تحقيقِ بعضها على الأقل، قبلَ أن تُواري التراب.

فمن الطبيعي أن تُفكّر بأنك صغيرٌ في السن، وبأن أمامك وقتاً لا محدوداً لفعل كلِّ الأشياء الرائعة التي تودها في حياتك. رُبّما تتضمَّنُ قائمة أحلامك الآن تسلّق جبل الكيلمنغارو، أو القفز من طائرة (Skydiving)، أو الدراسة بالخارج، أو إنهاء عمل إبداعي رائعٍ خاص بك، لكن صدّقني، لو لم تبدأ من هذه اللّحظة بالتخطيط لكيفية تحقيق هذه الأحلام، فإنَّ فُرصة حدوثها ستكون مُنعدمة تقريباً: لا شيء بالعالم يحدث لوحده بالصدفة السعيدة، إلا الأشياء السيئة طبعاً. في فلم The Weather Man المُلْهِم (إصدار سنة 2005)، يقول بطلُ الفلم -نيكولاس كيج- محدّثاً نفسه عن تجربةٍ شبيهةٍ جداً:

“كنتُ أجلس دوماً لأتخيَّل كيف ستغدو حياتي في المستقبل. اعتقدتُ أني سأكتسبُ جميع الخصال الرائعة التي أحلمُ بها ويتمنّى جميع الناس أن تكون فيهم. لكن كلّما تقدَّمتُ في العمر، كلّما تزايد عدد الأشياء التي أردتُها ولم أعد أستطيعُ الحصول عليها والحيوات والفرص التي لم يعُد بإمكاني أن أعيشها، حتى لم تبقَ منها سوى حياة واحدة. وهي حياتي أنا، حياة مُوظّف بائسٍ في وكالة طقس”.


أهدافي لعام 2018

  1. قراءة 12 كتاباً: نجاح.
  2. تأليفُ مجموعةٍ من القصص القصيرة: نجاح.
  3. وصول مستوى B2 في اللغة الألمانية: نجاح جزئي.
  4. تأليفُ كتابٍ عن الترجمة العربية: نجاح شبه مكتمل.
  5. إدارة مشاريع مجموعة ويكيميديا بلاد الشام: نجاح شبه مكتمل.

تقريري عن الأهداف
1. قراءةُ كتابٍ كُلَّ شهر
أظهرت لي تجاربي السَّابقة مع الأهداف السنويَّة أن القراءة هي الهدفُ الوحيد (أو رُبَّما أحدُ “الأهداف الوحيدة”) التي لا يمكنُ إمضاءُ عامٍ من دونها. فلا وجود في الحقيقة لمجموعةٍ ولا لمجموعاتٍ من الكتب بإمكانها أن تجعلكَ إنساناً مثقفاً أو تمنحكَ لدى قراءتها حياةً جيِّدة، وإنَّما القراءة هي -بحسب ما رأيتهُ وتعلَّمتُه للآن- مُكوِّنٌ لا ينفصلُ عن أيِّ نمط حياة ناجح. لو كنتَ تسعى لحياة أفضل، عليك أن تقرأ طوال عمرك وفي كُلِّ يومٍ وشهرٍ وعام منه. من البديهي أنَّ عوائد قراءتك ونتائجها سوف تزدادُ كُلَّما كنتَ ذكياً أكثر باختيار الكتب التي تودُّ قراءتها وبالتخصُّص في نوعها وفئتها لتتناسب مع أهدافك، ولكن هذا لا يعني أنَّ قراءة كتابٍ جيّد تغنيك عن عشرة ولا خمسة ولا ثلاثة كتب.
مثل العادة، وضعتُ هدفاً متواضعاً جداً لنفسي، وهو قراءة 12 كتاباً على مدارِ العام أو كتابٍ واحد شهرياً. لا يُهِمُّ طول الكتاب ولا لغته ولا صعوبته ولا نوعه، حيثُ من الممكن أن يكون قصة أو مسرحية أو رواية أو غير ذلك، فليسَت العبرة من هذا الهدف إرهاق نفسي بعملٍ شاقّ وإنَّما تحفيزي على قراءة ما أُحِبّ. ومثل العادة أيضاً، كان الرَّقم المتواضعُ مفيداً في تجاوُزِ الهدف بسهولة، إذ أتممتُ قراءة 24 كتاب خلال هذه السَّنة، بما مجموعه -حسب موقع غود ريدز- 4,573 صفحة، فحقَّقتُ 200% من هدفي (سأتحدَّثُ بشكلٍ مختصر عن جميع هذه الكتب في تدوينة لاحقة).
عليَّ أن أقولَ أن عدم المبالغة في حجمِ هذا الهدف كانت -بالنسبة لي- سبباً أساسياً في نجاحهِ خلال السنين الماضية. فقد جرَّبتُ فكرة “الأهداف السنويَّة” للمرة الأولى في حياتي قبل ثلاثة أعوام، وكنتُ وقتها أقرأُ ما بين ثلاثة إلى أربعة كتبٍ في السنة الواحدة، بما فيها القصص والروايات، وأما خلال السنوات الثلاث الماضية فقد قرأتُ في كُلِّ عامٍ ما متوسِّطهُ أكثر من 20 كتاباً. ولم يكُن هذا التحوُّل عددياً فحسب، فقد أصبحت القراءةُ متغلغلةً بروتيني اليوميِّ بحيثُ أنِّي لم أعُد أشعرُ بالخوف، كم في السَّابق، من أخذ أيِّ كتابٍ والشّروع بقراءته، حتى ولو كان ضخماً جداً وبلغة أجنبية.

من قراءاتي لهذه السّنة على Goodreads.

2. تأليفُ مجموعة من القصص القصيرة
أضعُ دوماً الكتابة والتأليف ضمنَ أهدافي السنوية لأنَّها تُمثِّلُ جانباً أساسياً من طموحاتي في الحياة، فأحدُ أكبر أحلامي التي حاولتُ العملَ عليها في آخر ست أو سبع سنوات أن أكتبَ رواية جيِّدة، ولا يمكنُ تحقيق هذا الحلم إلا بتدريبٍ وممارسةٍ مُسْبقةٍ طويلةٍ جداً، وهو ما رغبتُ بتكريس جزءٍ من هذا العام له.
تجنَّبتُ أن أضعَ رقماً دقيقاً للكتاب لألتزمَ به في هذه المرَّة، لأني وجدتُ أنَّه صعبٌ جداً في الكتابة الأدبية، ولكنِّي اعتدتُ في السنوات الماضية على تحديد هدفٍ يتراوح بين 30,000 إلى 35,000 كلمة لأكتبها على مدار السنة (مُوزَّعة على أيِّ عددٍ من القصص، مكتملةً أو غير مكتملة)، وهو ما يعادلُ مائة وخمسين صفحة مطبوعة تقريباً. وقد نجحتُ أخيراً بالوصول إلى هذا الرَّقم خلال الشهور الاثني عشر الماضية، إذ كتبتُ ما يعادلُ بالضَّبط 32,234 كلمة مُمثَّلة بقصَّتين قصيرتين ورواية لم تَتِمّ، وبذلك حقَّقتُ هدفي كاملاً.
كان هذا العام مُميَّزاً بصورة خاصَّة لي لأني تجرَّأتُ -في منتصفه- على نشر واحدةٍ من قصصي علناً للمرَّة الأولى، وهو قرارٌ غير سهل لي، لأني أحاولُ كتابة القصص منذ ما لا يقلُّ عن عشر سنوات ولم أشعُر من قبل بأنِّي وصلتُ مستوى يليقُ بالنشر في أيِّ مكان. كان النشر على نطاقٍ بسيطٍ جداً، فقد اقتصر على موقع حسوب I/O ومُدوَّنتي وتطبيق الـWattpad المعروف، إلا أنَّ قصتي القصيرة الأولى (وهي “الضِّفدع”) حصلت على مراجعات إيجابية جداً. وقد شجَّعتني التجربةُ على نشر قصَّة ثانية مستوحاةٍ من مكانٍ زرتهُ في وقتٍ سابقٍ من السنة، وهي “جابر”.

في الشهور الأخيرة من سنة 2018، اتَّخذتُ قراراً بالشُّروع بكتابة روايتي الحقيقيَّة الأولى. وقد سبقَ وأن كتبتُ عِدَّة “رواياتٍ” وأنا طفل، وصل طول بعضها لما يربو عن مائة صفحة، ولكنَّ مستواها مأساويٌّ جداً بحيثُ يصعبُ عليَّ أن أعتبرها ‘محاولات’. وأما الآن، بعد أربع سنوات تقريباً قضيتُها في قراءة الروايات وكتب التأليف والنقد الأدبي لهذا الغرض تحديداً، بدأتُ أؤمن بأنِّي اكتسبتُ الحد الأدنى من المهارة الأدبية لكتابة رواية متواضعة.
بدأتُ العمل في بداية شهر سبتمبر الماضي وألزمتُ نفسي بكتابة 500 كلمة في كُلِّ ليلة، ومضيتُ باشتهادٍ في هدفي لشهرٍ ونصف. ثُمَّ بدأ فصلي الجامعي الجديد (أو كان قد بدأ منذُ أسابيع)، وبدأت تنهالُ عليَّ الواجبات الدراسية والامتحانات والمذاكرة ومواعيد التسليم بوظيفتين حُرَّتين أعملُ بهما في وقتِ فراغي ومن مسؤولياتي كمديرٍ لمُنظَّمة تطوعية ومن تنظيم فعاليَّة كبيرة في مدينتي. في النهاية، استسلمتُ للمصاعب التي انهالت عليَّ وتوقَّفتُ تماماً عن الكتابة في منتصف شهر أكتوبر، بعد أن أكملتُ ثمانين صفحة تقريباً من قصتي الجديدة.
ويحزنني جداً أنِّي خالفتُ بهذا الاستسلام المتهوِّر نصيحة ستيفن كينغ الشهيرة، وهي أنَّ الأديب عندما يُؤلِّفُ قصَّة “يجبُ أن يُتمَّها خلال تسعين يوماً”، وإلا فإنَّ أفكار القصَّة وصور شخصياتها وواقعيتها تختفي من ذهنه، ولعلَّ هذا حدثَ لي سلفاً. على أيِّ حال، ليسَ لي النَّدمُ لأنِّي ناضلتُ في الكتابة -فيما أعتقدُ- لآخر لحظة استطعتُها، وأما روايتي فعليها أن تنتظرَ للعام المقبل حتى أُقرِّرَ ما بإمكاني عملهُ بها.
3. وصول مستوى B2 باللغة الألمانية
عليَّ الإقرارُ بأنِّي لم أكُن مدركاً جيِّداً لصعوبة التحدِّي الذي دخلتهُ عندما قرَّرتُ البدء بتعلُّم اللغة الألمانية -ذاتياً- قبل ثلاث سنوات، فقد وجدتُ أن الحفاظَ على مستواي المتواضعِ في لغةٍ ثالثة (ناهيك عن زيادته) يصبحُ صعباً جداً بمرور الوقت. وقد كانت فلسفتي المبدئية هي أنِّي أتقنتُ اللغة الإنكليزية إتقاناً تاماً باستخدامها على الإنترنت بصورة عفويَّة تامَّة، وبالتالي لن يكون من الصَّعب جداً تكرارُ التجربة نفسها مع لغةٍ أخرى بين الوقت والآخر، أليس كذلك؟
لا. الإنكليزية هي اللغة الوحيدة في العالم التي يمكنك تعلُّمها أثناء ممارسة عاداتك اليومية الطبيعية، وذلك لأنها تغزو حياتَك بدون دعوة، فأنتَ لا تستطيعُ أن تقضي أكثرَ من ثلاث دقائق على الإنترنت دون الاصطدام بها قراءةً وسماعاً. وتنعكسُ هذه الحالُ تماماً عند محاولة تعلُّم أيّ لغةٍ سواها، فأنتَ مضطرٌّ للبحثِ عن تلك اللغات وإقحامها بحياتك عمداً، وهذا ليسَ بالأمر السَّهل، فهو وظيفة بنصف دوامٍ عليك أن تضيفُها إلى مسؤولياتك الروتينية المتعبة.
كان طموحي المبدئيّ لهذه السنة هو أن أبلغَ مستوى B2 باللغة الألمانية (وذلك بحسب نظام CEFR المعروف لتقييم الطلاقة اللغوية)، والحقيقةُ أني لم أستوعب معنى هذا المستوى بدقَّة تامَّة قبل أن أضعَ الهدف، فكلُّ ما عرفتهُ أنَّه تحدٍّ كبير نوعاً ما وأنِّي كنتُ راغباً بتحدٍّ مثله. وقد جاء بالفعل بنتائج مرضية جداً. يُعبِّرُ مستوى B2 في الواقع عن إلمامٍ وطلاقةٍ كافية باللغة لاستخدامها بأيّ سياقٍ غير اختصاصيٍّ في الحياة العمليَّة، فمن يتحدَّثُ لغة بهذا المستوى قادرٌ على التعبير عن أيِّ فكرةٍ تتبادرُ إلى ذهنه في الحياة اليومية (ما عدا الفيزياء النووية وما شابهها).

بدأتُ في هذا العام بتطوير لغتي الألمانية بالممارسة العملية، واستطعتُ بالتدريج أن أبدأ بقراءة قصص الأطفال ومشاهدة المسلسلات المدبلجة والمترجمة، من ضمنها أكثرُ من 200 حلقةٍ من ناروتو ومسلسلات كرتونية قديمة مترجمةٍ أو مدبلجةٍ إلى الألمانية، وقد كانت جزءاً ممتعاً ولطيفاً جداً من تجربة التعلُّم. إضافةً إلى ذلك، أخذتُ محاضرةً جامعيَّة كاملةً بالأدب الألماني خلال الفصل الدراسي الأخير، وكنتُ قادراً على استيعابها بالكامل وعلى التواصل مع الأستاذة والطلاّب بصورة بسيطة.
مع نهاية العام، أستطيعُ القول أنَّ مستوايَ بالقراءة والاستماع في اللغة الألمانية أصبحَ قريباً جداً ممَّا كنتُ أطمحُ إليه (فوق مستوى الـB1 بالتأكيد)، وأما مهاراتي في الكتابة والكلام فهي لا تزالُ متدنيَّة جداً لأنِّي لم أحصُل على أيّ فرصٍ لممارستها. رغم هذا، يمكنني القولُ أني حقَّقتُ نصفَ هدفي تقريباً خلال هذه السنة وأصبحتُ قريباً من إتقان لغةٍ جديدة.
4. إطلاقُ كتابي الجديد في الترجمة العربيَّة
لعلَّ السبب الرئيسي الذي يُشجِّعُني على تكرار تجربة الأهداف السنوية هو شوقي لأرى تغيُّراتٍ حقيقيَّة تقعُ في حياتي، مهما كانت تدريجية، لتُقرِّبني أكثر ممَّا أتطلَّع لأن أكونه مستقبلاً. ولهذا أحاولُ في كُلِّ سنةٍ أن أضعَ في قائمتي هدفاً واحداً على الأقلِّ لهُ قيمةٌ واقعيَّةٌ واستثنائية في تطوير ذاتي، وتأليفُ الكتب يُحقِّقُ ذلك تماماً. كنتُ قد ألَّفتُ أول كتابٍ لي (“حكاية ويكيبيديا“) قبل سنتين، في تجربتي الأولى مع الأهداف السنوية، وحصلَ منذ ذلك الحين على عشرة آلاف تحميلٍ وطُبِعَ ونُشِرَ في أماكن عِدَّة. وفي هذه السنة أردتُ أن أُؤلِّفَ “كتاباً” في مجالٍ جديدٍ لديَّ فيه الكثيرُ من الشغف والخبرة: وهو الترجمة العربيَّة.
وليسَ هذا بالكتاب المبهر جداً، فهوَ أقربُ لأن يكون كتيِّباً (100-150 صفحة) يتخصَّصُ بعرضِ مُقدِّمة عن الترجمة بجانبها العمليّ، مدعوماً بنظريات وبحوث أكاديمية في هذا المجال بصورةٍ بسيطة. وقد كانت نواتهُ الأصليَّةُ تدوينةً نويتُ نشرها منذ سنتين كاملتين، ولكنَّها ظلَّت تتضخَّمُ وتزدادُ حجماً حتى خرجت عن السيطرة، فلم أجِد وسيلةً لنشرها إلا على شكلِ كتاب إلكتروني مُصغَّر.

حقَّقتُ هذا الهدف في معظمه، فقد كتبتُ 22,000 كلمة من الكتاب ووصلتُ به إلى مُسوَّدة شبه نهائية، بحيثُ يمكنني القولُ أني أنهيتُ 90% منه. وقد كافحتُ جداً لإتمامه قبل نهاية العام التزاماً بأهدافي، ولكنَّهُ لا زالَ بحاجةٍ إلى عِدَّة أسابيع من العمل، ولم تجدي جميع محاولاتي اليائسة لإيجاد الوقتِ للعمل عليه. في جميع الأحوال، نجحتُ بإكمال الجزء الأعظم من هذه المهمَّة ولم تبقى سوى رتوشٌ نهائية.
وأما الأهمُّ من ذلك، فهو أن هذا الكتاب قد يتحوَّل إلى أشياء عِدَّة رائعة في الفترة القادمة: ففي شهر يناير القادم، سوف أُقدِّمُ دورةً بالترجمة مبنيَّة عليه في مركز للغات، وإذا نجحتِ التجربة فقد تصبحُ دورة منتظمةً مستقبلاً. كما أنَّي أعملُ على إنشاء دورة إلكترونية في الترجمة -مبنيَّة على الكتاب أيضاً-  لأُقدِّمها من خلال مدوَّنتي في العام القادم، لذا، كونوا بالانتظار!
5. إدارة مشاريع مجموعة ويكيميديا بلاد الشام
بما أنَّ معظم أهدافي لهذه السنة “بحثيَّة” جداً وقائمةٌ على الاختباء في أعماق منزلي لساعات وأيام متواصلة والعملَ بعُزلةٍ كُليَّة عن باقي العالم، فقد وجدتُ أن من المناسب أن أختمها بهدفٍ معاكس يجبرني على التوجّه إلى العالم الخارجي ومقابلة الناس وتنظيم الفعاليات، وهو الغرضُ من هذا البند الأخير. وأما المقصود بـ”مجموعة ويكيميديا بلاد الشام” فهو مُنظَّمة غير ربحيَّة تتكوَّنُ من مُحرِّري وإداريّي موسوعة ويكيبيديا الشهيرة في الدول الشاميَّة الأربعة (الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين)، والتي انتخبتُ رئيساً لها في شهر يوليو 2017، ومنذُ ذلك الحين وهي تتعدَّى على حياتي وتلتهمُ ما لديَّ من وقتِ فراغٍ ضئيل. وقد أردتُ أن أعملَ على تطويرها والنّهوض بها أكثرَ في هذا العام.
ورُبَّما كان عليَّ أن أضعَ تفاصيل دقيقةً لهذا الهدف لكي أُحدِّدَ كيفية إنجازه بالتّحديد، ولكني أظنُّ أني قمتُ بعملٍ معقول ونجحتُ في هدفي. ولا دليل لديَّ على ذلك سوى وقوع الاختيار عليَّ لتولِّي دورة “رئاسية” ثانية للمجموعة في شهر نوفمبر الماضي، بانتخاباتٍ أزعمُ نزاهتها وديمقراطيتها التامَّة، وقد استنتجتُ من ذلك أني حزتُ على رضى شعبي العظيم (المُكوَّن من خمسين شخصاً تقريباً) عن سياستي في إدارة المجموعة ومشاريعها.

وعلى أيِّ حال، قمنا بعِدَّة مشروعات ناجحةٍ خلال العام من ضمنها ورشة كتابة مقالات بالتعاون مع الأمم المتحدة والخارجية السويدية في يوم المرأة العالمي، وحفلٌ تعريفيٌّ بويكيبيديا بحضور كاثرين ماهر، المديرة التنفيذية للموسوعة، والأهمُّ من ذلك هو أنَّنا فتحنا للمرَّة الأولى شراكاتٍ ومشروعات شراكات مع عددٍ كبير من المُنظَّمات الرائعة التي تتقاطعُ مع عملنا، بما فيها جامعات ومكتبات عامَّة ومراكز بحثية قد تساعدُنا على نشر المعرفة الحُرَّة في بلاد الشام خلال الفترة القادمة.
تطوّرات حياتي غير المُتوقَّعة
قيادةُ جولةٍ سياحيَّة في المغترب
لستُ متأكِّداً من ماهية هذا “الإنجاز” بالتحديد، فهو ليسَ بعملٍ سأعرضهُ على سيرتي الذاتية في أيِّ يوم من الأيام، ولكنَّهُ أظهرَ لي جانباً من ذاتي يصعبُ عليَّ -وعلى من يعرفوني- تصوُّرُهُ دونَ إثباتٍ عمليّ جداً، وهذا ما يجعلني سعيداً به لدرجة كبيرة. لو كنتَ قابلتني في مراهقتي (قبل خمس أو ستّ سنوات) عندما كنتُ أبدو بمظهر هاري بوتر، فلا شَكَّ لي بأنَّك كنتَ ستجدهُ أمراً غريباً أيضاً. وهو ليس أكثرَ من أني قدتُ مجموعة كبيرة من السُيَّاح في بلدٍ لا أعرفُ عنها شيئاً يذكرُ لرحلةٍ طولها 12 ساعةً وتمتدَّ على مسافة مائة وخمسين كيلومتراً ذهاباً وإياباً، وهي فكرةٌ ليست مريحةً جداً عند تخيّلها.

وقعت أحداثُ هذه المغامرة في كيب تاون بجنوب أفريقيا، أثناء زيارتي لها في شهر يوليو الماضي لحضور مؤتمر Wikimania السنويّ لمساهمي موسوعة ويكيبيديا. فقد تهوَّرتُ بأن أخبرتُ المشاركين في المؤتمر -في مجموعة علنيَّة- برغبتي العارمة بزيارة مكانٍ يُسمَّى بلدة سايمون يقعُ جنوب كيب تاون، حيث يوجد شاطئٌ تعيشُ عليه مئات البطاريق في موطنها الطبيعي، والذي يبعدُ مسافةً بسيطةً أيضاً عن رأس الرَّجاء الصالح، وهو أحدُ أهمِّ المعالم الجغرافية والتاريخية في العالم. تكوَّنت لديَّ مجموعةٌ من ستة أشخاص لطيفين، واتَّفقنا على الخروج في رحلتنا باليوم الذي يسبقُ بداية المؤتمر.
وما لم أحسِب حسابهُ، عندما ذهبتُ إلى بهو الفندق في ذلك الصَّباح لألتقيَ بزملائي في الرِّحلة، هو أنَّ كُلَّ شخصٍ منهُم تقريباً قد أذنَ لنفسه بدعوة صديق أو صديقين للانضمام إلينا في رحلتنا، وهذا ما يعني أنَّ عدد المشاركين ازداد قليلاً، إلى الضِّعْف فقط. ولكنَّ هذه لم تكُن سوى بداية المشكلة، فبسببِ المتأخِّرين الكُثُر (ليسَ العربُ وحدهم من يتأخَّرون) اضطررنا للتجمهُر في مجموعةٍ كبيرةٍ ببهو الفندق لما يرنو من ساعة. كُلَّ فترة، كان يقتربُ منَّا أحدُ المشاركين في المؤتمر مستفسراً عن هذا الجمعِ الغريب، وعندما أحكي لهم عن رحلتنا الرائعة التي سمَّيناها “رحلة البطاريق”، لم يكُن منهم -ويصعبُ لومهم- إلا السؤال عن إمكانية الانضمام. غادرنا البهو أخيراً في التاسعة والنِّصْف صباحاً، مع جماعة مُكوَّنة من 18 فرداً تحتَ مسؤوليتي الكاملة في بلدٍ يبعدُ 7,500 كيلومترٍ عن وطني. رائع جداً.

امتلأت الرحلة بالكثير من التحديات والمصاعب التي رغبتُ بتفصيلها هنا: وقد قمتُ بذلك فعلاً، ثُمَّ وجدتُ أن حجمها غير منطقي، فاضطررتُ لإزالتها، فلعلّي أتحدَّثُ عنها بتدوينةٍ أخرى. كانت التجربة مخيفةً جداً، ولكنَّها مذهلة أيضاً، فقد كانت فيها كُلُّ مُقوِّمات المغامرة التي في المسلسلات التلفزيونية: من إثارة وتوتّر ومصاعب ونهاية سعيدة. وخلال أيام المؤتمر الخمسة التالية، كنتُ كُلَّما ألتقي بأحدِ زملائي الرحلة أتلقَّى إطراءً ما عن هذا اليوم، أو يأخذني أحدٌ ليُقدِّمني لأصدقائه ويخبرهم عمَّا فعلتهُ عندما أخذتهم بجولةٍ مليئة بالصّعاب في بلدٍ غريب تماماً.

الحديثُ أمام مديرة مؤسسة ويكيميديا
سبقَ وأن مررتُ بعِدَّة تجارب في الحديث أمام الجمهور خلال السنتين الماضيتين تركت فيني أثراً وتغييراً كبيراً. فقد تطوَّرت قدرتي على الحديث أمام الناس كثيراً بعد أن كانت من أسوأ نقاط ضعفي، وصار حديثي مُنظَّماً وهادئاً أكثر، ولكنَّ ما لم يتغيَّر هو مقدارُ التوتّر الذي أصابُ به قبل الخروج أمام الناس. لذلك، عندما طُلِبَ منّي أن أتحدَّثَ باسم ويكيميديا في بلاد الشام في شهر أكتوبر الماضي أمام مديرة مؤسسة ويكيميديا التنفيذية وجمعٍ متواضعٍ من خمسين شخص تقريباً، فقدتُ القدرة على تناول الطعام لمُدَّة 24 ساعة قبل موعد الحديث.
كان المُميَّز في هذه المرَّة أن حديثي سُجِّلَ بالكامل بالكاميرا (وبُثَّ مباشرةً على اليوتيوب، أيضاً)، وبالتالي استطعتُ في اليوم التالي أن أشاهدَ التسجيل كاملاً لأرى بنفسي مستوى إلقائي، وتبيَّن أنَّهُ جيِّدٌ جداً (ليس رائعاً، وإنَّما جيِّد جداً). لا زلتُ، رغم هذه التجربة اللطيفة، بحاجةٍ لعشرة تجارب مماثلة على الأقلّ حتى أُحقِّقَ المستوى المطلوب، ولا بأسَ بذلك لديّ، فقد كانت خطوةً مرضيةً بما يكفي نحو رفع ثقتي بنفسي.

النّهوض بشبكة علاقاتي العمليَّة والمهنيَّة
إذا كان هناك شيءٌ أكرهُه في الحياة فهو الخروج للمناسبات والاجتماعات واللقاءات والتواجد بأيِّ مكانٍ مملوءٍ بالغرباء الذين لم ألتقِ بهم قطّ، وإذا كان هناك -أيضاً- شيءٌ يجلبُ النَّجاح في كُلِّ سلكٍ مهني وعملي في الحياة، فهو هذا بدون شكّ. وخلال السنة الماضية، اضطررتُ للمرورِ به مرَّات كثيرة جداً، ولم يكُن الهدف منه الدردشة وتمضية وقت الفراغ، وإنَّما دخلتُ إلى شبكة علاقاتٍ مرتبطةٍ ارتباطاً وثيقاً بعملي في ويكيبيديا، والتي أظنُّ أنها قد تحدثُ تغييراتٍ كبيرة لي مستقبلاً. فقد زرتُ خلال الشهور الاثني عشر الماضية منزل السفير السويدي والتقيتُ بالرئيس التنفيذي لمؤسسة عبد الحميد شومان وحضرتُ حفلاً مغلقاً برعاية رئيس الوزراء الأردني، فضلاً عن الكثير من الاجتماعات واللقاءات الأخرى التي أسَّست للكثير من الأعمال المُهمَّة منذ بداية هذه السنة.
وما يجعلني سعيداً فعلاً بما حدثَ خلال هذا العام ليسَ بالعلاقات الجديدة التي كسبتها، فهي رُبَّما تأتي بمردودٍ ورُبَّما لا تأتي به، وأمَّا ما أنا فخورٌ وسعيدٌ جداً به فهو أنِّي اكتسبتُ ما يكفي من الثقة والاسترخاء لأسيرَ إلى أيّ مؤسسة كبيرة وأُقدِّمَ نفسي عند الباب بصفتي “مُمَثِّلَ ويكيبيديا في بلاد الشام”، وبأني أرغبُ ببحثِ سُبُل التعاون والعمل المشترك معهم، وهي خطواتٌ بسيطةٌ أثبتت لها فعالية مبهرة. في هذه السنة، أصبحتُ أثقُ بقُوَّة شبكة علاقاتي وبقدرتي على تمديدها وتوسيعها متى ما احتجتُ لذلك دون خوفٍ أو توتّر.

دحرُ اللغة الفرنسية
بذلتُ محاولتي الأولى في تعلُّم اللغة الفرنسية قبل سنة ونصف، عندما حصلتُ على منحة من مؤسَّسة ويكيميديا لزيارة مدينة مونتريال الكنديَّة التابعة لمقاطعة كيبيك، وهي مدينة لغتُها الرسمية الفرنسية، ممَّا كان حافزاً ممتازاً لتعلّم لغة جديدة. ولم أدرك وقتها كم هذه اللغة صعبةٌ وكم أن تعلُّمها غير ممتع، وهو ما أجبرني على أن أعتزلَ سريعاً وأعودُ لرفيقتي السابقة (الألمانية). ثُمَّ جاء الفصل الدراسي الأخير، قبل ثلاثة شهور، وكنتُ مضطراً بحُكْم تخصّصي لدراسة لغةٍ أجنبية غير الإنكليزية، ولم أجِد بُدَّاً من العودة للفرنسية لأنَّها الأهمُّ والأشيعُ في العالم من اللغات التي لي دراستها.
كانت مادَّة اللغة الفرنسي ةأصعبَ ما تعاملتُ معه خلال فصلي الدراسيّ الأخير بالفعل. ففي كُلِّ محاضرة، كنتُ أجلسُ على الكُرسيّ لسبعين دقيقة ودماغي يسابقُ نفسهُ كي يتابعَ سرعة مُدرِّس المادَّة في ترديد الكلمات الفرنسية بألفاظها الغريبة وتصاريفها اللانهائية، بحيثُ كنتُ أشعرُ أنِّي بحاجةٍ لتبريد رأسي في نهاية الحصَّة. ولكن هذا الجُهْد قد جاء بعائده، فقد حصلتُ على 46/50 علامةً في الامتحان الكتابي والشفهي، وصرتُ قادراً على التعبير عن عدد كبير جداً من الأفكار البسيطة بالفرنسية وعن فهمِ المقصد العامّ للنصوص غير المتخصِّصة.

الكتابة لـPopularScience العربيَّة
قُرْب نهاية العام، جائني أمرٌ آخر غير مُتوقَّع كان من أفضل ما حدثَ لي خلال هذه السَّنة، وهو عرضُ كتابةٍ لواحدةٍ من أرقى المجلات العلمية التي تصدرُ باللغة العربية حالياً، وهي “العِلْم للعموم” (النسخة العربية من PopularScience الشهيرة). كتبتُ مقالتين للمجلة عن علوم الفلك، كلٌّ منهما بطول 1,000 و2,500 كلمة على التوالي، ومن المفترض أن تظهرا في العدد القادم، الذي سيكون موضوعه علوم الفضاء، في بداية السنة الجديدة.
لقد شعرتُ بقفزةٍ كبيرةٍ في مسيرتي المهنية بالسنة الماضية عندما جرَّبتُ العمل الصحفي لمجلَّة شبيهة لأول مرة، ولكن هذه الفرصة مختلفةٌ لأنَّها قرَّبتني بصورة غير مسبوقةٍ من حُلُمٍ قديمٍ جداً: وهو الكتابة لمجلة ناشيونال جيوغرافيك. من الصعب عليَّ فعلاً أن أُفكِّرَ بمجلة علمية عربية قريبةٍ ممَّا أسعى إليه لهذه الدرجة، وقد جاءت فرصة العمل معها دون أيِّ توقِّعٍ مُسْبَق. لا زلتُ لا أدري إذا كانت الفرصة الآتية ستأتي قَطّ، ولكنِّي صرتُ متفائلاً بها أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى.

أهدافي للعام القادم
أُفضِّلُ الانتظار حتى اليوم الأخير من العام لأُخصِّصَ جلسة خاصَّة بتحديد أهدافي للسنة المقبلة، ليس لسببٍ إلا لأنَّ ذلك يجعلُ الطقس أكثر متعة، وأيضاً لأنَّهُ لا معنى للبدء بالتخطيط للأهداف القادمة قبل أن أتأكَّد (في اللحظة الأخيرة من العام) من مدى التقدُّم الذي أحرزتهُ سلفاً بأهدافي الماضية. رغم ذلك، لديَّ فكرة مبدئيَّة عن الأهداف التي أريدُ وضعها.
أنوي -بالتأكيد- تكرار تجربة القراءة السنوية التي صرتُ مقتنعاً بضرورتها لدرجة الحاجة المستميتة. رُبَّما أرفعُ هدفي قليلاً في هذه المرة (لـ20 أو 25 كتاب مثلاً) من باب التحدي، ورُبَّما أتركهُ على حالهِ أيضاً كَيْ لا أُحمِّلَ نفسي التزاماً لن أستطيعَ الإيفاء به، إذ سأتركُ قراري الحاسم بهذا الخصوص لليلة الأخيرة من السنة.
أرغبُ بالتأكيد -كذلك- بأن أضعَ هدفاً جديداً في الكتابة، وأتمنَّى أن يكونَ إكمالَ روايتي التي بدأتُها منذ شهور، ولكنَّ إكمالها قد يكون التزاماً لا أستطيعُ احتماله، إذ قد أضطرُّ لإعادة كتابة معظمها ليصبحَ منسجماً مع تصوّري عن القصة الآن. من المحتمل أيضاً أن أُلْزِمَ نفسي بكتابة مجموعة قصصية أو مسرحية أو إنشاء مدونة أدبية بسيطة، فهذه كُلَّها أهدافٌ ممتازة يجبُ أن أُفكِّرَ بها حتى نهاية العام (عندما كتبتُ هذا الكلام كانت بعد أيام، ولكنَّها الآن -غالباً- بعد ساعات).
وأما ما أنا متأكِّدٌ من عدمِ رغبتي بإضافته لأهدافي فهو الأهدافُ الرياضيَّة والجسديَّة بكُلِّ أنواعها، فقد جرَّبتُها من قبل (لقناعتي الساذجة بضرورة أن يعتني المرءُ بكُلِّ جانبٍ من ذاته) ولكنها لم تكُن جذَّابة ولا مُحفِّزة ولا ذات معنى لي، والسَّببُ بسيط جداً، وهو أنَّ هذه الأهداف هي التي يمكنني الوثوقُ بأنَّها لن تُغيِّرَ شيئاً في حياتي قَطّ. مثلما أن دراسة الفيزياء النووية ليست مفيدةً جداً لمن يطمحُ بأن يكون رسَّاماً مشهوراً، فإنَّ قضاء عشر ساعات أسبوعياً في النادي الرياضي لا يُفيدُ أيَّ شخص كثيراً، إلا لو كان طموحه المشاركةَ في الألعاب الأولمبية أو إبهارَ أصدقائه بسرعته في الجَرْي. الرياضةُ جيِّدة، ولكنَّ ضمَّها لقائمة الأهداف السنوية التي تريدُ لها أن تُغيِّرَ شيئاً في حياتك ليسَ -برأيي المتواضع- جيِّداً أبداً.

خاتمة
لو كنتَ أكملتَ هذه التدوينة حتى نهايتها فقد قرأتَ للتوّ ما يزيدُ عن 3,800 كلمة، وهو إنجازٌ لطيفٌ جداً لتُتوِّجَ به العام المنصرم. يُمكنك أيضاً أن تشاركني تجربتك مع أهداف العام الجديد أدناه، إذ أكون سعيداً بقراءتها.

Comments 4

  1. لم أستطع أن أزيل تبويب هذه الصفحة قبل ترك تعليق يعبر عن إعجابي بتقرير إنجاز شخصي ذو قيمة كبيرة لكاتبه ولقارئه. يا ليت أهل الفيسبوك يعودون لعصر المدونات يوماً ونتخلص من الكتابة المختصرة، فما أبغض مشاركة الإنجازات على منصات التواصل الاجتماعي دون توضيح لحيثيات الإنجازات وما أجمل مشاركة الإنجازات بكلمات كافية تصنع للقارئ فائدة ويلم بحيثياتها فيُحفّذ ولا يكتئب.

    1. Post
      Author

      أنتَ محقّ يا يحيى، هذه مشكلة أخرى كثرَ الحديثُ فيها مؤخراً، وقد مررتُ حديثاً على مقالٍ رائعٍ من صحيفة الغارديان يتحدَّثُ عنه، فالدراساتُ تدلّ على أن الناس لم يعودوا قادرين على استخدام الإنترنت -قراءة أو كتابة- بالصَّبر الكافي، فهُمْ بالكاد يستطيعون إكمال فقرة ناهيكَ عن مقالة قبل أن يفقدوا قدرتهم على التركيز ويتوجّهوا نحوَ شيء جديد. يسعدني أن تجربتي أفادتك 🙂

  2. غاية باللّطف، يروقني أسلوبك السّاخر الكوميديّ دومًا. متحمّسة لسماع قصّة قيادتك للسيّاح بقدر حماسي للجزء الرّابع من هاكيو (أحد أنميّاتي المفضّلة، سينزل جزءٌ جديد قريبًا)?. وتهانيّ الحارّة على مقالتك في المجلّة، وسأرغب بقراءة كتابك الجديد، فأنا أستمتع بالترجمة (رغم ضيق تجربتي في ذلك المجال)، وأودّ معرفة المزيد عنها بشكلٍ مختصر. منعشٌ شعور الإنجاز والحياة هنا، بدأت أرغب بوضع أهدافٍ متواضعةٍ لي أيضًا

    1. Post
      Author

      يُشرِّفني يا آنسة سيرين ظهورك على مدونتي بدايةً، وتحلِّيكِ -ثانياً- بما يكفي من الصَّبْر لقراءة تدوينتي التي يمكنُ طباعتها على 15 صفحة، بل والأكثرُ من كُلّ ذلك أنَّها كانت أهلاً للمنافسة مع الموسم الرابع من هاكيو 🙂
      لا أعرفُ لو كنتُ سأجدُ الوقت لتحويل قصة السُيَّاح وجنوب أفريقيا إلى تدوينة حقيقية (أعرفُ أني وعدتُ بذلك أو أشرتُ إليه في الأعلى، ولكنكِ ستكوني ساذجةً لو صدّقتني :P). القصة التي كتبتُها لتكونَ جزءاً من هذه التدوينة وصلت بحدِّ ذاتها إلى 800 كلمة، وهو حجمٌ نموذجيّ لمقال على الإنترنت، ولكنّ بمعاييري المستفيضة وهوسي بالكتابات المُطوَّلة فهي تبدو قليلةً جداً وبحاجةٍ إلى الكثير من التحرير. لعلَّ أفضلَ فرصةٍ لكِ هي بأن تسمعي القصَّة مني في زيارتكم القادمة لعمَّان -القريبة على ما أظنّ- على أمل أن تبقى في مضمار المنافسة مع هاكيو حتى ذلك الحين.
      عموماً، حصلتِ على 24 ساعة على الأقلّ حتى الآن لإعداد قائمتك. هل هي جاهزةٌ للمشاركة؟ ^_^

اترك تعليقاً