تجربتي في مؤتمر ويكيمانيا 2017 بمونتريال (الجزء 2: المؤتمر)

هذه المقالة هي تتمَّة لتدوينتي السابقة، التي تحدثتُ فيها عن وصولي إلى مدينة مونتريال في كندا للمشاركة بمؤتمر ويكيمانيا لسنة 2017. كنتُ قد وصلت إلى المدينة في صباح يوم الإثنين، 8 أغسطس، وكانت افتتاحية المؤتمر ستبدأُ في اليوم التالي.

ما تعلَّمتُه في الـLearning Days

تمتدّ الفعاليات الرئيسية لمؤتمر ويكيمانيا لثلاث أيام، بدءاً من 11 إلى 13 من أغسطس، وتكون هذه الفعاليات عبارةً عن سلاسل طويلة جداً من المحاضرات وورش العمل المتوازية (عشرة محاضراتٍ تجري بالتوازي مع بعضها في كلّ لحظة تقريباً) التي تُعرّف الحضور أو تُدرّبهم على مهارات متنوّعة تساعدهم أثناء عملهم في ويكيبيديا ومشاريعها الشقيقة. ولكن قبل هذه الفعاليات الرائعة، توجد فترة يومين تكونُ مُخصَّصة للتمهيد للمؤتمر وللقيام بنشاطات حُرّة. ثمة نوعان أساسيَّان من النشاطات التي يمكن القيام بها في هذين اليومين: المشاركة بالهاكاثون، حيثُ يجتمعُ مئات المبرمجين ويجلسون إلى حواسيبهم لساعات للاهتمام بالعمل على مسائل تقنية وبرمجية شديدة التعقيد، أو التوجّه نحو الـ، حيثُ تحصلُ على الفرصة لتتعلَّم من خبرات وتجارب ويكيبيديين قدامى جداً. بالتأكيد، لم يَكُن الاختيار صعباً جداً بالنسبة لجاهل بالتقنية مثلي.
كانت البداية غريبة بعض الشيء. فلم أكد أصلُ إلى القاعة الأولى وأشرع بالدخول، حتى وجدتُ واحدةً من المُنظِّمين توقفني وتشير إلى طاولة بجانبي يزدحم حولها الكثير من الأشخاص، وقد رميت عليها عشرات أو مئات الصور المطبوعة لكلّ الأماكن والأشياء التي يمكن أن تتخيلها (مناظر طبيعية، وأطباق طعام، وأشخاص يحتفلون، وغير ذلك من اللقطات العجيبة). قالت لي المُنظّمة أن عليَّ أن أختار صورةً تُعبّر عن أكبر آمالي أو مخاوفي ممَّا سأتعلَّمهُ معهم اليوم. وجدتُ الأمر فائق الغرابة، ولكني – بعد بضع دقائق في تصفّح صور من كل الأشكال – وقع اختياري على هذه الصورة بالأسفل، التي، بحسب التفسير المذهل الذي تبادرَ إلى ذهني بطريقة أو بأخرى، تُعبّر عن خوفي من أن يسيطر أشخاصٌ معيّنون على الحوار في جلساتنا، بحيثُ لا يتركون فرصة للباقين للمشاركة والتعلّم. كنتُ صريحاً أيضاً، بعد تقديم هذا الشرح المقنع، بأني وجدتُ الصورة لطيفة فحسب.

كان أفضلُ أمر في “أيام التعلّم” (أو الـLearning Days) هذه هو كمية النشاطات التفاعلية التي تتضمَّنُها: فعوضاً عن الجلوس على كرسيّ والاستماع إلى الكثير من المحاضرات الطويلة والمملة – مثل معظم المؤتمر – كان يومي عبارة عن تنقّل دائمٍ بين قاعات مليئة بأشخاصٍ يتمتّعون بخبرات مذهلة، ويجلسون ليناقشوا كلّ أصناف المشكلات والمسائل التي تواجه من يعملون في ويكيبيديا.
على سبيل المثال، كانت إحدى الجلسات التي حضرتها عبارة عن مقابلة طويلة مع ثلاثة من موظّفي مؤسسة ويكيميديا، يختصّ كل واحدٍ منهم بالعمل على مجال معيَّن مفيد للمتطوعين: شخص مسؤول عن استبيانات الرأي (واستغلالها في تقييم نجاح المشاريع والمبادرات)، وآخر مسؤول عن طلبات المنح، ومحامٍ خبير بكل الشؤون القانونية التي لها علاقة بويكيبيديا. كان نظام الجلسة هو أن الحضور، بما فيهم أنا، يجلسون إلى ثلاثة طاولات في زوايا الغرفة وينتظرون المُنظّمين حتى يأتوا إلى الطاولة ويفتتحوا الحوار، حيثُ يدور المُنظّمون باستمرار من طاولة إلى الأخرى لنحصلَ على فرصة للتحدّث إليهم كلهم. كان أفضلُ ما في الأمر هو أن الحضور قليلون والمكان هادئ جداً، ممَّا سمحَ لنا بأخذ حريتنا في الحوار قدر الإمكان. استفدتُ من هذه الفرصة لأطرح عدَّة أسئلة كانت تتبادرُ إليَّ في عملي التنظيمي مع ويكيميديا بلاد الشام، خصوصاً حول كيفية إدارة منظّمتنا والتعامل مع ملفاتها المالية.

تمثيلُ بلاد الشام

كان أفضل جزءٍ من تجربتي في ويكيمانيا لهذا العام، مقارنة بالمرتين الماضيتين (في 2013 بهونغ كونغ و2014 بلندن) هو أنني جئتُ للمرة الأولى وأنا ممثّل بالنيابة عن منظمة، وهي ويكيميديا بلاد الشام، الممثل الرسمي لويكيبيديا في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن. الجميل في الأمر هو أن ثمة مكاناً رائعاً لمثل هذه المنظمات في المؤتمر اسمه “قرية المجتمع” (Community Village)، وهي مساحة مُخصَّصة لكلّ دولة لتعرضَ فيها نشاطاتها ومشاريعها الويكيبيدية على مدار العام المنصرم. لأول مرة في ويكيمانيا، كانت توجد طاولة خاصَّة ببلاد الشام، وقد جعلتُ أخي – خصيصاً لهذا الأمر – يُصمّم لي هذا المنشور (قبل موعد طائرتي بساعات فقط) لأعرضه بجانب طاولتنا في “قرية المجتمع”، وعليَّ القول أن المنشور قد لاقى إعجاباً ممتازاً جداً من زوار مساحتنا.

كان تجهيز طاولة ويكيميديا بلاد الشام من أكثر الأشياء الممتعة التي قمتُ بها. فرغم العناء الذي تكبدتهُ لنقل كلّ هذه المعدات، الظاهرة بالصورة بالأسفل، معي أثناء رحلتي بالطائرة، إلا أن النتيجة جاءت مرضية تماماً في المقابل. بعد تجهيز الطاولة جلستُ بجانبها لفترة من الوقت، حيثُ بدأت باستقبال زوارنا الأوائل وتقديمهم إلى مجموعتنا ونشاطاتنا، بصفتي – بدءاً من شهر يوليو الماضي – المنسّق الرسمي للمجموعة. مع ذلك، عليَّ أن أكون صادقاً بأني لم أقضي أوقاتاً طويلة جداً في هذه المساحة على مدار المؤتمر، فقد انشغلتُ خلال الأيام المقبلة في معظم وقتي بالتجوّل والتعرف إلى الأشخاص والتحدث إليهم والذهاب إلى المحاضرات والورش، وبالتالي تركتُ زميلي (مرفت سلمان، من الأردن، وعلاء من فلسطين) ليقفا في مساحة ويكيميديا الشام ويجيبا على تساؤلات الزوار وطلباتهم طوال الأيام الأربعة التالية.

على الجانب الإيجابي، كانت هذه المساحة مثمرة جداً. فقد قابلنا فيها الكثير من الأشخاص المُهتمّين بعملنا، والذين اقترحوا سبلاً متنوّعة للتعاون معنا، فبعضهم كانت لديهم أراشيف من الصور لسوريا والأردن يرغبون بالتبرّع بها، وآخرون كانوا ينشطون مع اللاجئين السوريين والفلسطنيين في بريطانيا، ويريدون دعماً منا، كما قابلنا الكثير من الأشخاص الذين طرحوا علينا أسئلة عامة فحسب. فعلياً، أصبحت طاولة ويكيميديا بلاد الشام أقرب إلى “ملجأ” أو “منزل” يتجمَّعُ فيه كل المشاركين الشاميين والعرب عموماً في ويكيمانيا، فكنتَ تأتي في استراحات الغداء (أو بين المحاضرات) لتجدَ كلَّ الويكيبدييين العرب مجتمعين في المكان.

اللقاء بالويكيبيديين الإسبان

كان أحد أكثر النشاطات المثمرة في ويكيمانيا هو الترتيب لاجتماع بين الويكيبيدين العرب وويكيبيديي أمريكا اللاتينية، من الناطقين باللغتين الإسبانية والبرتغالية. كان ثمة اهتمامٌ بالتعاون بين هاتين المنطقتين منذ فترة، بسبب التشابه المعتبر في الظروف الجغرافية والثقافية بيننا وبينهم (فاللغتان العربية والإسبانية تتّسمان بأن لديهما مئات ملايين الناطقين، لكنهم متوزعون على دول كثيرة ومتباعدة). أول من طرح فكرة هذا التعاون هو الزميل نضال جرّار، الذي كان ممثلاً عن ويكيميديا الشام في مؤتمر سابق بمدينة برلين قبل نصف عام تقريباً. في ويكيمانيا، رتبنا لاجتماع مُوسَّع بين الويكيبيديين العرب ومساهمي أمريكا اللاتينية، وكذلك بعض الأتراك والإيرانيين، لمناقشة إمكانية تنظيم مسابقة تبادل ثقافي بين العالم العربي/الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. فكرة المسابقة هي أن يكتب الويكيبيديون العرب مقالات عن بلدان أمريكا اللاتينية، فيما يكتبُ هؤلاء مقالات عن الدول العربية. الفكرة جميلة جداً، وقد اتفقنا على تفاصيلها وآليتها في الاجتماع، حيث أنَّنا ننوي إطلاق المسابقة في شهر أكتوبر المقبل.

باتجاه عقارب الساعة: أنا – عبّاد (الأردن)، وبشق وحكم (تركيا)، ومحسن (إيران)، وماركو (تشيلي)، ومرفت (الأردن)، وسلفادور وآنّا (من مكان ما في أمريكا اللاتينية).

إحياء ذكرى باسل خرطبيل

تميَّز مؤتمر ويكيمانيا لهذا العام بتمحوره، بدرجة كبيرة، حول شخصية عربية، هي الناشط السوري باسل خرطبيل الذي أذيع نبأ وفاته من التعذيب قبل بضعة أسابيع. في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، صباح يوم الخميس 11 أغسطس، عرضت صورة باسل على الملئ وخرج إلى المنصَّة ستة من أصدقائه المُقرّبين الناشطين في حركة المصدر المفتوح ليتحدَّثُوا بذكراه، وجلبوا معهم مفاجأة. على المنصة، وقف نموذج بلاستيكي ثلاثي الأبعاد بارتفاع إنسانٍ بالغ لأحد الأبنية الأثرية من مدينة تدمر السوريَّة. في الحقيقة، هذا النموذج (الظاهر أدناه) والذي بُنِيَ من آلاف القطع الصغيرة ليتجاوز وزنه 100 كيلوغرام، مبنيٌّ بالكامل على نماذج ثلاثية الأبعاد صنعها باسل بنفسه لمدينة تدمر، ضمنَ مشروعٍ رائعٍ لحِفْظ آثار هذه المدينة التاريخية وتسهيل إعادة ترميمها وبنائها مستقبلاً.. وهو أمرٌ ثبتَ أنه ضروريّ جداً في أوقات مؤسف كهذه. اسمُ المشروع هو NewPalmyra، ولا زال جارياً إلى الآن.

ظلَّ هذا المُجسَّم معروضاً في قرية المجتمع طوال أيام المؤتمر. وأما المدهش أكثر، فهو أن ورشة تحرير قد أقيمت أثناء المؤتمر خصيصاً لإحياء ذكرى باسل، وكان ذلك خلال اليومين الثاني والثالث، حيثُ عمل على تنظيمها بعضُ أصدقاء باسل الذين كانوا متواجدين في مدينة مونتريال أثناء انعقاد ويكيمانيا. بالطبع، مثَّل المجتمع العربي قسماً كبيراً من حضور الورشة، كما كانت فيها مشاركة لطيفة من ويكيبيديين بلغات عدّة، منها الإنكليزية والإيطالية والفرنسية، وأدت الورشة إلى إثراء العديد من المقالات المُتلعّقة بباسل وأعماله وبمدينة تدمر الأثرية التي ركَّزت الكثيرُ من نشاطات حياته عليها. استفدتُ من وقتنا في الورشة لأعمل، بمساعدة الزميلة مرفت، على تطوير مقالة مدينة تدمر الأثرية على ويكيبيديا العربيّة، التي كانت بحالة مأساوية في السابق (لم ننتهي من العمل على المقالة أثناء وقت المؤتمر، لكننا ننوي متابعة تطويرها خلال الأيام القادمة).

الأشخاص والأصدقاء

لكن، عدا عن كلّ النقاشات الجادة والمهام المرهقة التي كان عليَّ القيامُ بها، فلن يفوتني ذكرُ الجانب الأهم والأجمل من تجربة مؤتمر ويكيمانيا، وهي التعرّف إلى الأشخاص. في الحقيقة، لم تكد تمضي عليَّ بضعُ دقائق، على مرّ الأيام الخمسة التي قضيتها في المؤتمر، دون أن أجد في وجهي شخصاً جديداً وأبدأ، بطريقة أو بأخرى، بالتحدث معه. في بعض الأحيان، كُنّا نفترق بعد لحظات ليذهب كلّ منا في طريقه. وفي أحيان أخرى، كنا نصبح صديقين عزيزَيْن.

ومن بين كلّ هؤلاء الذين خضتُ معهم حوارات التعارف وجلسات الدردشة القصيرة أو الطويلة، لم يَكُن هناك شخصٌ أفضل من فرهد، صديقي الروسي. فرُغْم أنه ينتمي إلى ثقافة بعيدة جداً، ويتحدَّثُ لغة لا تمتّ للغتي بصلة (التترية)، إلا أنه كان أحد أكثر الشخصيات الممتعة التي قابلتها على الإطلاق. في أول مرة قابلتهُ كُنّا في اجتماعٍ جادّ بإحدى قاعات غرف التعلّم، حيث ناقشنا أموراً مُهمَّة كثيرة، إلا أنَّنا – عندما بدأنا بقضاء الوقت معاً – لم تلبث حواراتنا وأن أصبحت هزلية بحتة. مع ذلك، لم يتسنّى لي قضاءُ الكثير من الوقت معه، فكلّ الأوقات التي جلسنا معاً فيها كانت عبارات عن مقابلات حدثت مصادفة، عند دخولنا إلى نفس المكان أو نفس القاعة بدون تخطيطٍ مسبق.

فرهد، شاب تتري من روسيا.

من جهة أخرى، حصلتُ على الفرصة – أثناء المؤتمر – لألتقي للمرة الأولى بالكثير من زملائي “في العمل”. إذ إني كنت، خلال آخر نصف عام، ممثل اللغة العربية لدى مؤسسة ويكيميديا، وكنتُ أعمل بالتوازي معفريق من 18 شخصاً آخرين ممثلين عن لغات ومجتمعات ويكيبيدية عديدة من كلّ أنحاء العالم. لم يحضر جميع هؤلاء إلى المؤتمر، بل كان منهم قليلون فقط: أنا (ممثل اللغة العربية)، وساتيب (من البنجاب)، وجورج (من ألمانيا)، وسامويل (من ساحل العاج، ممثل اللغة الفرنسية). وعليَّ القولُ أني كنتُ سعيداً جداً بهذه الفرصة، ففضلاً عن أن لدينا الكثير من الموضوعات والأعمال المشتركة التي يمكن أن تشغل حواراتنا لساعات، فقد اكتشفتُ أن زملائي – في الحقيقة – أو معظمهم على الأقلّ، هم أشخاص ٌ لطفاء جداً على أرض الواقع، خصوصاً سامويل الأفريقي، الذي تبين أنه بنفس عمري تقريباً.

ومع كلّ ذلك، لعلَّ أفضل رابطة صداقة حصلتُ عليها طوال المؤتمر، ومن بين مئات الأشخاص الذين قابلتهم، كانت مع كيفن بارافي، وهو زميلي في الغرفة (أمريكي من أصل إيراني). فليست هناك تجربة مثل أن تعيش مع شخص جديد لأيام معدودة، حيث تستيقظان معاً وتتوجهان إلى الفطور، ومن ثم تنشغلان بحضور جلسات ونشاطات المؤتمر طوال اليوم، لتلتقيا وتتودعا مرة أخرى كل بضع دقائق. إلا أنَّ أكثر ما أثار اهتمامي في كيفن هو أنه ذكرني كثيراً بإخوتي وعائلتي، فهو من نوع الأشخاص الهادئين جداً الذين ينشغلون بشؤونهم طوال الوقت ولا يكترثون للتدخّل بك أو الحديث معك إلا في حال الضرورة. كانت رفقة كيفن جيدة جداً، فقد قضيتُ معه ساعات أكثر من أيّ شخصٍ آخر في ويكيمانيا.

أنا وزميلي كيفن.

حفلة الختام

أقيمت حفلة الختام لمؤتمر ويكيمانيا في مساء اليوم الأخير – 13 أغسطس – بـ”محطة وينزور”، وهي عبارة عن محطة قطار قديمة قريبة جداً من مكان انعقاد المؤتمر (فندق الشيراتون)، ولكنها تحولت إلى مساحة لاستضافة الحفلات والنشاطات. عليَّ القول أني تفاجءتُ قليلاً عندما وصلتُ إلى المكان، فقد توقَّعتُ أن أجد مساحة للجلوس وتبادل الأحاديث، إلا أنَّ المحطة من الداخل كانت أقربَ إلى صالة ألعاب عملاقة. كان المكان مليئاً بأجهزة ألعاب الآركيد، وطاولات للألعاب من كلّ الأشكال، بما فيها تنس الطاولة والإير هوكي. كنتُ قد جئت إلى الحفل مع زميلي في الغرفة، كيفن، فقضينا أول نصف ساعة في التجوّل معاً وتجربة الألعاب كلّها، ومن ثم ذهبنا إلى تناول الطعام، حيثُ كانت توجد سندويشات لذيذة من اللحم المشويّ.

صالة الاحتفال، في حفلة ختام ويكيمانيا.

طالَت الحفلة لفترة طويلة جداً. فقد بدأت في الساعة السادسة تقريباً، واستمرَّت إلى ما بعد منتصف الليل. شخصياً، لم أشعُر بارتياحٍ كبير بمُجرّد انتهاء وقت الطعام، فقد وجدتُ – بمجرد أن رحل عنّي صديقي كيفن – نفسي وسط إعصار مبهر من الضوضاء الصوتية والبصرية، حيث يوجد الكثير الكثير من الأشخاص الذين يتحدثون بصوتٍ عال بكلّ الأمور. في الواقع، كنتُ على وشك الرحيل فور انتهاء طبقي، ولكن ما حصل هو أني، أثناء توجهي نحو المخرج، قابلتُ فتى من بنغلادش اسمه تنوير، وانسجمنا – بطريقة أو بأخرى – بحوار طويل ممتع. أخذتُ جولة مع تنوير حول المكان، ومن ثم جلسنا بجانب بركة سباحة كبيرة في الخارج، وانضمَّ إلينا بعد فترة شاب أوكراني، سرعان ما تبيَّن أنه عالم بيولوجيا وويكيبيديّ نشطٌ أيضاً. كانت هذه الجلسة من أفضل أوقاتي خلال المؤتمر، فطوالي ساعتين كاملتين تبادلتُ مع رفيقيَّ أحاديثاً عميقة عن كلّ الموضوعات، من عقبات الزواج في بنغلادش إلى مشكلات أن تكون عالماً في شرق أوروبا.

لكن لكلّ شيء نهاية، وسرعان ما انتهت تلك الجلسة اللطيفة بجانب البحيرة، وعادَ إليَّ هوسي بالرحيل عن الحفل. قضيتُ نصف ساعةٍ تقريباً في التجوّل حول المكان وتوديع أصدقائي الجُدد، وزملائي العرب المشاركين في المؤتمر (حيثُ كانت آخر فرصة لي لأقابل معظمهم)، ومن ثمَّ هممتُ بالرحيل. عندما وصلتُ إلى الغرفة، وجدتُ فيها صديقي كيفن، حيث تبيَّن أنه حذا حذوي بالهرب من الحفلة، إلا أنه سبقني في ذلك بزمن طويل.

لم تكُن تلك نهاية مغامرتي في كندا، بل بدايتها فحسب. إذ كان بانتظاري، بعد انتهاء هذا اليوم، أسبوعان كاملان من التجوّل في أنحاء كندا، وهي مغامرة مذهلة أرجو أني سأوثّقها بتدوينة أخرى في وقتٍ ما.

الصورة الختامية لمؤتمر ويكيمانيا 2017 في مونتريال. يمكنك أن تجدني على هيئة بكسل أو اثنين في القسم الأيسر من الصورة.

اترك تعليقاً