وصل المستوطنون الأوروبيّون قبل خمسمائة عامٍ إلى جزر الغالاباغوس المنعزلة، الواقع قُبَالة سواحل أمريكا الجنوبية، حيث فوجئوا بالعثور على سلاحف لم يَسبِق لهُم وأن رؤوا مثلها قطّ. كانت ضخمة جداً بحيثُ أمكن لرجلٍ أو اثنين أن يجلسا فوق ظهورها، وكانت طبيئةً وسهلة الصَّيد بحيثُ أصبحت مصدراً مثالياً لطعامهِم ولإمتاعهم البحت. وكانت قد عاشت هذه السلاحفُ في عزلةٍ وأمانٍ لمئات آلاف السنين، ولكن لم تمضِ فترةٌ طويلةٌ على وصول المستوطنين الجُدد حتى كادت تختفي. أحدُ أنواع هذه السلاحف، وهي سُلحفاة جزيرة بينتا، دُفِعَت إلى مرحلة الانقراض التامّ، ولكن في عام 1971 أعلنَ باحثُ طبيعة هنغاريّ للعالم – في فرحة غامرة – عن اكتشاف سلحفٍ أخيرٍ لا يزالُ على قيد الحياة من هذا النَّوع، وأُطْلِقَ عليه منذ ذلك الحين اسم «Lonesome George»، أي «جورج الوحيد»، آخرُ الناجين من نوعه. حاول العلماء لعشرات السّنين إنجاب ذريَّة من جورج لإنقاذ نوعه من السلاحف، ولكن في 24 يونيو سنة 2012 عُثِرَ على جورج العجوز ميّتاً في قفصه، عن عمرٍ يناهز المائة عام، لتختفي – بموته – سلالته إلى الأبد.
في العاشر من مارس عام 1535، جرفت الريَّاح والتيار القوي سفينة الأسقف البرتغالي “فري ثوماس دي برلانغا” بعيداً عن مساره نحو البيرو، حيث كان ذاهباً لإجراء تسوية بين قائدين برتغالين متخاصمين، لتحمله إلى مجموعةٍ غريبةٍ نائية من الجزر، لم تطأها قدم بشريٍّ قطٌّ قبل ذلك، وقُدِّر له أن يكون مكتشف هذه الجزر الفريدة المعروفة اليوم باسم جزر الغالاباغوس. على هذه الجزر، عثر البرتغاليون على سلاحف غير عادية، لا تشبه أيَّ شيءٍ عرفوه من قبل، فقد كانت الواحدة من هذه السلاحف بحجم حصانٍ صغير، فوصل طولها إلى المترين ووزنها إلى نصف طن.
عانى البرتغاليون من نقصٍ كبيرٍ في الطعام، ولم يعثروا على المواشي أو الدواجن ليأكلوها في هذه الجزر النائية، فأصبحت هذه السلاحف لذلك هي مصدرهم الأول للحوم. ولأن السلاحف ضخمة الحجم وغير قادرةٍ على الاختباء، وبطيئة الحركة بحيث لا تستطيع الهرب، فقد باتت أهدافاً سهلة جداً، وسُرعَان ما أخذت أعدادها بالتناقص بسرعة. كانت تعيش على كل جزيرةٍ من جزر الغالاباغوس سلالة مختلفة من السلاحف، تختلف عن السلالات الأخرى، ومن بين هذه الجزر جزيرة بينتا، حيث اختفت السلاحف العملاقة بشكلٍ شبه كليّ بحلول نهاية القرن التاسع عشر. وفي منتصف القرن الماضي، كانت سلحفاة جزيرة بينتا تُعَدُّ بالفعل نوعاً منقرضاً.
رغم ذلك، فقد حدث وأن كان عالم الأحياء الهنغاري الشاب “جوزيف فاغفولغي” يجوب الجزيرة في الأول من نوفمبر عام 1971 عندما دُهِش لرؤيته سلحفاة عملاقة تجول بين الحشائش والأحراش، كانت هذه السلحفاة هي لون سوم جورج (والذي يعني اسمه جورج الوحيد). قوبل الاكتشاف الجديد باحتفاءٍ هائلٍ في المجتمع العلميّ، وأصبح لون سوم جورج رمزاً لحماية البيئة وإنقاذ الحيوانات. منذ ذلك الحين، جرت محاولات عديدة للعثور على فردٍ آخر متبقٍّ من سلاحف جزيرة بينتا، إلا إنَّ جميع هذه المحاولات فشلت، وبات لون سوم جورج يُعَدُّ أعجوبة لكونه آخر كائنٍ حيٍّ من نوعه في العالم. جرت الكثير من المحاولات لإكثاره عبر التزاوج مع سلاحف من أنواعٍ أخرى، إلا إنَّ كل المحاولات فشلت، وبقي بقاء النوع مرهوناً بحياته.
أخيراً، في الرابع والعشرين من يونيو عام 2012، دخل حارسه الأمين “فاوستو ليرينا” – الذي رافقه لأربعين عاماً – ليضع له الطعام وينظف المكان كما اعتاد في كلّ صباح، ليجد لون سوم جورج راقداً بلا حراك. أثبتت الفحوصات الطبية أنه توفي نتيجة فشلٍ في القلب، عن عمرٍ يناهز المائة عام. أعلنت وفاته رسمياً في السَّاعة الثامنة صباحاً، وأعلن معها انقراض سلالة سلاحف جزيرة بينتا من على وجه الأرض. لعلَّ حكاية لون سوم جورج تكون عبرةً لنا للتحرُّك قبل وفاة الأوان، وعدم ترك باقي الأنواع الحية تواجه نفس المصير، لأن مصيرنا مرتبطٌ بمصير باقي أشكال الحياة على الأرض.