قبل 365 يوماً، أذيع على العالم خبر وفاة لون سوم جورج، آخر سلاحف جزيرة بينتا العملاقة في العالم، ليُدَقَّ من جديد جرس إنذار البيئة المتدهورة لكوكبنا. بموت هذه السلحفاة، انقرضت سلالة جديدة من الكائنات الحية من على وجه الأرض من غير رجعة، لتنضمَّ إلى مئات السلالات الأخرى التي اختفت في السنوات الأخيرة، حيث تواجه الأرض ما بات يعرف بالانقراض الجماعيّ السادس في تاريخها. على عكس جميع الانقراضات السَّابقة في تاريخ الأرض، ليس سبب هذا الانقراض أي كوارث طبيعيَّة، إنَّما سببه هو تدخُّل كائنٍ حيّ في طبيعة الأرض.
في العاشر من مارس عام 1535، جرفت الريَّاح والتيار القوي سفينة الأسقف البرتغالي “فري ثوماس دي برلانغا” بعيداً عن مساره نحو البيرو، حيث كان ذاهباً لإجراء تسوية بين قائدين برتغالين متخاصمين، لتحمله إلى مجموعةٍ غريبةٍ نائية من الجزر، لم تطأها قدم بشريٍّ قطٌّ قبل ذلك، وقُدِّر له أن يكون مكتشف هذه الجزر الفريدة المعروفة اليوم باسم جزر الغالاباغوس. على هذه الجزر، عثر البرتغاليون على سلاحف غير عادية، لا تشبه أيَّ شيءٍ عرفوه من قبل، فقد كانت الواحدة من هذه السلاحف بحجم حصانٍ صغير، فوصل طولها إلى المترين ووزنها إلى نصف طن.
عانى البرتغاليون من نقصٍ كبيرٍ في الطعام، ولم يعثروا على المواشي أو الدواجن ليأكلوها في هذه الجزر النائية، فأصبحت هذه السلاحف لذلك هي مصدرهم الأول للحوم. ولأن السلاحف ضخمة الحجم وغير قادرةٍ على الاختباء، وبطيئة الحركة بحيث لا تستطيع الهرب، فقد باتت أهدافاً سهلة جداً، وسُرعَان ما أخذت أعدادها بالتناقص بسرعة. كانت تعيش على كل جزيرةٍ من جزر الغالاباغوس سلالة مختلفة من السلاحف، تختلف عن السلالات الأخرى، ومن بين هذه الجزر جزيرة بينتا، حيث اختفت السلاحف العملاقة بشكلٍ شبه كليّ بحلول نهاية القرن التاسع عشر. وفي منتصف القرن الماضي، كانت سلحفاة جزيرة بينتا تُعَدُّ بالفعل نوعاً منقرضاً.
رغم ذلك، فقد حدث وأن كان عالم الأحياء الهنغاري الشاب “جوزيف فاغفولغي” يجوب الجزيرة في الأول من نوفمبر عام 1971 عندما دُهِش لرؤيته سلحفاة عملاقة تجول بين الحشائش والأحراش، كانت هذه السلحفاة هي لون سوم جورج (والذي يعني اسمه جورج الوحيد). قوبل الاكتشاف الجديد باحتفاءٍ هائلٍ في المجتمع العلميّ، وأصبح لون سوم جورج رمزاً لحماية البيئة وإنقاذ الحيوانات. منذ ذلك الحين، جرت محاولات عديدة للعثور على فردٍ آخر متبقٍّ من سلاحف جزيرة بينتا، إلا إنَّ جميع هذه المحاولات فشلت، وبات لون سوم جورج يُعَدُّ أعجوبة لكونه آخر كائنٍ حيٍّ من نوعه في العالم. جرت الكثير من المحاولات لإكثاره عبر التزاوج مع سلاحف من أنواعٍ أخرى، إلا إنَّ كل المحاولات فشلت، وبقي بقاء النوع مرهوناً بحياته.
أخيراً، في الرابع والعشرين من يونيو عام 2012، دخل حارسه الأمين “فاوستو ليرينا” – الذي رافقه لأربعين عاماً – ليضع له الطعام وينظف المكان كما اعتاد في كلّ صباح، ليجد لون سوم جورج راقداً بلا حراك. أثبتت الفحوصات الطبية أنه توفي نتيجة فشلٍ في القلب، عن عمرٍ يناهز المائة عام. أعلنت وفاته رسمياً في السَّاعة الثامنة صباحاً، وأعلن معها انقراض سلالة سلاحف جزيرة بينتا من على وجه الأرض. لعلَّ حكاية لون سوم جورج تكون عبرةً لنا للتحرُّك قبل وفاة الأوان، وعدم ترك باقي الأنواع الحية تواجه نفس المصير، لأن مصيرنا مرتبطٌ بمصير باقي أشكال الحياة على الأرض.